fbpx Skip to main content
صحة جنسية

فيروس الورم الحليمي الفيروس الصامت

فيروس الورم الحليمي

فيروس الورم الحليمي أو كيف يهدد حياتنا فيروس صامت مسرطن.

يحدث أن تخترق أجسادنا فيروسات صاخبة كفيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV) وغيرها، أعراضها ظاهرة، تثير الرعب، فتحرك المؤسسات الطبية والمنظمات الصحية بشكل عاجل.

تغير عناوين نشرات الأخبار، فيسعى الإنسان للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المعلومات.

ويحدث أن تهددنا فيروسات صامتة، أعراضها خفية، قد لا تظهر أبدا نتيجة مقاومة جهاز مناعتنا. وقد تظهر بعد سنين، فتكون النتيجة وخيمة. أورام خبيثة فسرطانات.

ما هو فيروس الورم الحليمي

فيروس الورم الحليمي

فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) ذلك الفيروس الصغير الذي لا يزيد حجمه عن 55 نانومتر، فيروس ينتقل عبر العلاقات الجنسية.

قد يفكر البعض في العازل الطبي كوسيلة للحماية منه.

لا، لا الواقي الذكري ولا الأنثوي يحمي منه، فهو ليس كفيروس نقص المناعة المكتسبة ينتقل عبر السوائل المهبلية والمني فقط، بل ينتقل كذلك عبر التصاق الأجساد خلال علاقة جنسية.

يذكرني هذا الفيروس بمثل مغربي شهير 《اللحم على اللحم والله يرحم》، لكن في غياب الوقاية قد لا يرحم الله ولا الفيروس نفسه.

سنعود لموضوع الوقاية، لكن دعونا نتعرف عن قرب على الفيروس نفسه.

تعريف فيروس الورم الحليمي علمياً

فيروس الورم الحليمي
الفيروسات كائنات مختلفة ومتنوعة تنوع كل الكائنات في الطبيعة. باختصار شديد، يمكن تصنيفها حسب طبيعة مادتها الوراثية إلى نوعين: فيروسات تحمل (حمضًا نوويًا ريبوزيًا)، وفيروسات تحمل (حمضًا نوويًا صبغيًا). تمر الفيروسات من فترة صمت إلى فترة تكاثر، فتخلق صراعا مع جهاز المناعة، في حال انتصارها تبدأ بتخريب الجسم شيئا فشيئا. أما الثانية عموما، وهنا نتحدث عن فيروس كفيروس الورم الحليمي البشري، ففي حال عدم مقاومة جهاز المناعة له، يتكاثر داخل الخلايا، ليغير هوياتها، ويظل يتمدد هذه المرة في صمت، لكن بدل القيام بدورة خلوية طبيعية نهايتها الموت الممنهج للخلية، يصنع لنا خلايا لا تموت. أناركية، خبيثة يزداد خبثها يوما بعد يوم.

ففي الحقيقة، فيروس الورم الحليمي البشري ليس بفيروس واحد، بل تشكيلة من الفيروسات قد تصل إلى ٣٠٠ نوع تعرّف عليها العلم حتى الآن. أغلبها ليس بما يمكن أن يتصور لنا من الخطورة. قد تمكث سنتين داخل الجسم، فيحاربها جهاز المناعة لترحل في صمت. لكن بعضها الآخر، وهنا نتحدث غالبا عن النوعين HPV 16 و HPV 18 (ولكن هناك نحو عشرة أنواع تعرف العلم على خطورتها حتى الآن)، وهي ما تمكث صامتة إلى ما قد يصل إلى عشرين سنة داخل الجسم حتى تظهر تلك الخلايا الخبيثة المسرطنة.

ليست خطورة فيروس الورم الحليمي البشري في أعراضه (في العشر سنين الأولى، لا أعراض له، وهناك إمكانية لتغلب المناعة عليه)، بل في طريقة انتقاله من فرد لآخر.

إن كل إنسان ومنذ أول علاقة جنسية يقوم بها معرض له، كما أن احتمال التعرض يكبر مع ازدياد التجارب الجنسية وتعدد الشريكات و/أو الشركاء.

تحكي الأرقام أن امرأة من كل سبع نساء بالعالم تلتقي بهذا الفيروس على الأقل مرة في حياتها.

قد يتجاوز فيروس الورم الحليمي البشري مضاعفاته الجسدية، ليتسبب في مضاعفات نفسية.

فمثلا، تجبر بعض النساء في حالة وصول الورم لمرحلة سرطانية متقدمة، على التخلص من جزء من عنق الرحم، أو عنق الرحم كله أو حتى الرحم ذاته. وقد لا يخفى على الكثير منكم.ن تشبث النساء ممن تملكن أرحاما بالولادة، خاصة في منطقتنا.

وفي كثير من الحالات الحاملة للفيروس، يشكل الحمل خطرا على الأم والجنين بشكل مباشر كالتهاب المهبل، وبشكل غير مباشر، كمرور الفيروس إلى الجنين خلال عملية الولادة (الفيروس ليس وراثيا). ويمكن للنساء المتعايشات مع الفيروس الحمل والولادة حتى في حال وجود الأورام، شرط احتفاظهن بجزء من عنق الرحم يسمح لهن بذلك وكذلك بالمتابعة المستمرة مع الطبيب.ة.

من يصاب بالفيروس؟

فيروس الورم الحليمي

قد يتخيل البعض أن فيروس الورم الحليمي البشري مؤنث؛ فهو الذي يتسبب في سرطان عنق الرحم، لا يمكن أن يصيب سوى النساء.

وبعض من يعرف انتقاله عبر الجنس، يتصور بأنه مرتبط بالولوج بين ذكر وأنثى، وبذلك لا يصيب سوى المغايرين جنسيا.

لكن الحقيقة العلمية تقول غير ذلك وإن كانت الأرقام تصب أكثر نحو النساء، وتميل المؤسسات الطبية أكثر نحو تأنيث اللقاح (على الأقل في وقت من الأوقات).

إن طُلب مني أن أجد صفة إيجابية واحدة لهذا الفيروس، فسأقول إنه 《عادل》، فهو ليس ذكوريا يهاجم النساء فقط

بل هو فيروس يخصّ الكل ويمكن أن يصيب الكل، ولذلك وجب على الكل الاحتياط والوقاية منه.

ولكن لماذا يؤنَّث هذا الفيروس؟ لماذا نسمع كثيرا أنه يصيب بسرطان عنق الرحم وقليلا أنه يصيب بسرطان القضيب مثلا؟

إن ما لا يقل عن 25% من السرطانات تعود أسبابها للتعرض لكائنات مسرطنة كالبكتيريا والفيروسات، وفيروس الورم الحليمي البشري نفسه مسؤول عن سرطانات عديدة كسرطان الفم واللسان والشرج والرحم والحنجرة، ويرجع هذا كله لاتصال 《اللحم باللحم》 خلال العلاقات الجنسية.

لهذا الفيروس خلايا مفضلة تتواجد عموما على مستوى الأعضاء الجنسية والفم والحنجرة، مما يفسر انتقالها خلال الجنس الفموي.

للإجابة عن السؤال المطروح، سأعرض نظريتين، الأولى علمية، تقول بأنه ربما الأرقام هي التي تشير إلى أن فيروس الورم الحليمي البشري ينسب أكثر لسرطان عنق الرحم، وأقل منه لسرطانات أخرى كسرطان القضيب والحنجرة… إلخ.

والنظرية الثانية فلسفية نوعا ما، تقول بأن أجسام النساء غالبا وعبر التاريخ تم ربطها بالأمراض والالتهابات، خاصة الجنسية منها، والسيطرة على جسم النساء هي سيطرة على الالتهاب نفسه ومحاولة للتخلص منه.

وإلا فلماذا في بعض الدول يعطى لقاح فيروس الورم الحليمي البشري للنساء فقط، وهو لقاح صالح للنساء والرجال وكل الأجساد؟

كيف يمكن الوقاية من الفيروس؟

الوقاية من الفيروس

ربما يتبادر لكل قارئ.ة هذا السؤال، كيف أحمي نفسي من هذا الفيروس الصامت والمخيف؟

بمرجعية علمية سأجيب: اللقاح .

حسب منظمة الصحة العالمية، اللقاح متوفر لكل فرد عمره بين ٩ و ١٣ سنة ويعود توفيره في هذه السن المبكرة ليتم تلقيح الفرد قبل قيامه.ا بأي تجربة جنسية في حياته.ا.

وهناك لقاح ثانٍ، ييتعاطاه الفرد في سن ١٩ كتتمة للأول، للرفع من نسبة الوقاية. فاللقاح لا يسري مفعوله بعد التعرض للفيروس من قبل، خاصة بعد مرور سنوات على الإصابة.

في منطقتنا، هناك دول قليلة جدا توفر اللقاح لشعوبها، وبشكل جزئي فقط. كالإمارات العربية المتحدة، تحت شعار 《لقاح للنساء، ليس كل النساء.》

وفي إفريقيا، تعتبر رواندا من بين الدول الوحيدة التي التزمت بتوصيات منظمة الصحة العالمية فيما يخص الموضوع.

كما نشر المركز التونسي للصحة العمومية، في الرابع من مارس لسنة ٢٠١٩، وهو اليوم العالمي للتوعية بأخطار فيروس الورم الحليمي البشري، خريطة لنسب الوفيات الناتجة عنه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وأكد أن المغرب واحدة من دول المنطقة التي تشهد أكبر نسبة وفيات بسبب الفيروس، خاصة النساء عبر سرطان عنق الرحم.

كما أشارت الخريطة إلى عدد الإصابات سنة ٢٠١٨ في عدد من بلدان المنطقة (عدد الحالات في السنة، عدد الوفيات) :

الجزائر (١٠٦٦،١٥٩٤)، الأردن (٦١،١٠٤) الكويت (٥٩،٥٩)، لبنان (١٢٥،١٩٢)، ليبيا (١٢٧،٣١٩)، قطر (١٢،١٩)، السعودية (١٥٨،٣١٦)، الإمارات (٥٦،١٠٨)، تونس (١٩٩،٢٧٥).

و يتطرق مقال علمي نشر سنة ٢٠١٨ في جريدة Est MEditter Health، إلى إمكانيات وصول الشعوب إلى اللقاح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال ١٨ دراسة أقيمت في ٩ دول من المنطقة

فيبرز من خلالها أنه باستثناء الإمارات و ليبيا اللتان برمجتا لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في برامجهما الصحية، كل من البحرين ومصر ولبنان والسعودية والسودان والأردن والمغرب وسوريا ترخص باستعمال اللقاح دون إدماجه في برامجها الصحية كلقاح أساسي للحفاظ على الصحة العمومية للمواطنين.

وتنبأ المركز العالمي للأبحاث السرطانية أن المنطقة ستشهد أكبر نسبة وفيات بسبب فيروس الورم الحليمي البشري في مطلع ٢٠٤٠ ( ١٦٠٠٠ في نفس السنة)، بعد أن أكد أن سنة ٢٠١٨ وحدها، توفيت خلالها ٧٦٠٠ امرأة مصابة بسرطان عنق رحم ناتج عن الفيروس.

وهنا قد يسألني البعض، ما الذي يجعل دولا تحرم شعوبها من لقاح وفّره العلم لفيروس معين؟

إنها الأعراف يا سادة، توفير اللقاح للشابات والشباب في سن مبكر، هو اعتراف ضمني بوجود حياة جنسية لديهم.ن … كاد الجهل أن يكون كفرا.

فلنجب عن مبدأ الوقاية من منظور إنساني. الحل بسيط، وهو قيمة إنسانية؛ الصدق. نعم، الصدق مع الشريك.

أعتبر أن الوصاية على الأفراد، ونصحهم بعدم تعدد الشركاء/الشريكات تدخل في حياتهم.ن الخاصة.

لذلك تبقى الوسيلة الأكثر نجاحاً أن أكون صادقا.ة مع الشريك.ة، وللقيام بذلك يجب أن أحصل على المعلومة الصحيحة عن طريق الكشف. الكشف المبكر. الكشف المستمر.

توصي منظمة الصحة العالمية بالكشف عن فيروس الورم الحليمي البشري كل ثلاث سنوات قبل سن السابعة والعشرين، وكل سنة بعده.

أما في حال تشخيص الفيروس فتوصي بالقيام بالكشف كل ستة أشهر لتتبع الحالة.

وهنا وجب التذكير أنه في حال الإصابة بالفيروس، وجب التعايش معه وعلاج مضاعفاته التي قد تظهر في المستقبل، كالالتهابات في المناطق الحساسة، فلا يوجد إلى يومنا هذا علاج للفيروس، بل لمضاعفاته.

فيروس الورم الحليمي في المجتمعات الكويرية

فيروس الورم الحليمي
هل لفيروس الورم الحليمي البشري جندر وجنسانية مفضلين؟

كثير من الدراسات العلمية في العالم لا تأخذ الهوية الجندرية والجنسانية بعين الاعتبار، والدراسات حول فيروس الورم الحليمي البشري واحدة منها.

وكأن الفيروس يصيب النساء فقط، وينتقل بين مغايري الجنس فقط.

لحسن الحظ أخذت بعض الدراسات الموضوع بعين الاعتبار، وحدثتنا عن فيروس الورم الحليمي البشري داخل مجتمع الميم.

تؤكد دراسات عديدة أنه لا يوجد سبب مقنع لاعتبار احتمال انتشار فيروس الورم الحليمي البشري أقل عند مجتمع الميم من غيره من الفئات، فالفيروس يمكن كذلك أن ينتقل خلال علاقة جنسية بين امرأتين مثليتين خلال لمس أعضاء بعضهن البعض الجنسية، أو في حال استعمال 《ألعاب جنسية》، أو القيام بعلاقة جنس فموية.

وتشدد نفس الدراسة على أن واحدة من أنجع الطرق للوقاية من الفيروس داخل مجتمع الميم، هي اعتماد نفس أساليب الوقاية عند عامة الناس والنساء، مع التركيز على التوعية الممنهجة والموجهة لهذه الفئة.

كما تؤكد دراسة أخرى على أن خطر الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري مرتفع عند الرجال المثليين المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسبة. تعرفوا اكثر على مرض الايدز من هنا

إن الرجال المثليين معرضون أكثر لسرطان الشرج من الرجال عامة، وتؤكد دراسة أمريكية أنه فقط ٢٥% من الرجال المثليين يعلمون أن لفيروس الورم الحليمي البشري علاقة بهذا السرطان.

وفي دراسة أخرى نشرتها الجريدة العلمية Journal of community health لاستفتاء مع ٣٨ رجل مثلي، ثنائي وغيري الجنس، بيّنت النتائج أن الكثير من الرجال من مجتمع الميم غير واعين بخطورة الالتهابات الناتجة عن الفيروس وذلك لغياب أي توعية تخصهم. وفي نفس الدراسة، كان الرجال يظنون أن الفيروس يخص النساء فقط.

أما البحث العلمي الذي ركز على الرجال الكوير فقط، فقد وجد أن ١٨% فقط من المشاركين في البحث قام باللقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري، و ٥٨% حاملون له.

وفي مقال نشرته صحيفة Komitid الالكترونية بعنوان 《أنا مثلي، أحمل الفيروس، وأنا غاضب ضد الحكومة》، يتحدث فرنسيس، ٢٤ عاما، عن معاناته بسببب عدم معرفته معلومات كافية عن الفيروس، فبدل أن تتكفل دولته فرنسا بنقل المعلومة الصحيحة له عن طريق المؤسسات التعليمية والصحية والإعلامية

تعرف عن الأمر عن طريق شريك رفض معاشرته جنسيا لملاحظته أن فرنسيس يحمل كتلة ورم على مستوى شرجه.

يمكننا القياس على ذلك في كل بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم التي لا توفر التوعية والرعاية لشعوبها حول الموضوع، فما بالك بأن تفعل ذلك لأفراد مجتمع الميم.

يعاني أفراد مجتمع الميم من هذا الفيروس في صمت أحيانا، يعالجون الالتهابات بالكريمات والليزر إذا أمكن لهم.ن ذلك.

فيتعايش.و.ن مع الفيروس على حساب حياتهم.ن الجنسية لتجنب أي وصم أو تمييز من شركاء جنسيين محتملين/ شريكات جنسيات محتملات.

في النهاية، لا يسعني سوى القول بأن فيروس الورم الحليمي البشري فيروس لا يفرق على أساس الجندر والجنسانية، عكس عدة مؤسسات تعليمية وصحية وإعلامية في منطقتنا وفي العالم.

فيروس يتربص الكل، و يخشى اللقاح والكشف المبكر والمستمر والصدق مع الشريك.ة. فلنتغلب عليه بكل ما يخشى، وفي غياب التوعية من المؤسسات، فلنقم نحن بذلك. كلنا.